خباب بن الأرت أستاذ فن الفداء
خباب بن الأرت بن جندلة التميمي وكنيته أبو يحيى وقيل أبو عبد الله
صحابي من السابقين إلى الإسلام ، فأسلم سادس ستة ، وهو أول من
أظهر إسلامه ، وكان قد سُبي في الجاهليـة ، فبيع في مكة ثم حالف
بني زُهرة ، وأسلم وكان من المستضعفين .
إسلامه
خرج نفر من القرشيين، يغدون الخطى، ميممين شطر دار خباب ليتسلموا منه
سيوفهم التي تعاقدوا معه على صنعها..
وقد كان خباب رضي الله عنه سيافا، يصنع السيوف ويبيعها لأهل مكة، ويرسل بها إلى الأسواق..
وعلى غير عادة خباب رضي الله عنه الذي لا يكاد يفارق بيته وعمله، لم
يجده ذلك النفر من قريش فجلسوا ينتظرونه..
وبعد حين طويل جاء خباب رضي الله عنه على وجهه علامة استفهام مضيئة،
وفي عينيه دموع مغتبطة ، وحيا ضيوفه وجلس..
وسألوه عجلين : هل أتممت صنع السيوف يا خباب ؟
وجفت دموع خباب رضي الله عنه ، وحل مكانها في عينيه سرور متألق،
وقال وكأنه يناجي نفسه : ( إن أمره لعجب )
وعاد القوم يسألونه : أي أمر يا رجل ؟
نسألك عن سيوفنا، هل أتممت صنعها ؟
ويستوعبهم خباب رضي الله عنه بنظراته الشاردة الحالمة ..
ويقول : هل رأيتموه..؟ هل سمعتم كلامه..؟
وينظر بعضهم لبعض في دهشة وعجب ، ويعود أحدهم فيسأله
في خبث : هل رأيته أنت يا خباب ؟
ويسخر خباب رضي الله عنه من مكر صاحبه، فيرد عليه السؤال قائلا : من تعني ؟
ويجيب الرجل في غيظ : أعني الذي تعنيه ؟
ويجيب خباب رضي الله عنه بعد إذ أراهم أنه أبعد منالا من أن
يستدرج ، وأنه اعترف بإيمانه الآن أمامهم، فليس لأنهم خدعوه
عن نفسه، واستدرجوا لسانه، بل لأنه رأى الحق وعانقه، وقرر أن يصدع به ويجهر..
فأجابهم قائلا وهو هائم في نشوته وغبطة روحه :
( أجل رأيته، وسمعته ، رأيت الحق يتفجر من جوانبه، والنور يتلألأ بين ثناياه )
وبدأ عملاؤه القرشيون يفهمون، فصاح به أحدهم :
من هذا الذي تتحدث عنه يا عبد أم أنمار ؟
وأجاب خباب رضي الله عنه في هدوء القديسين :
( ومن سواه، يا أخا العرب من سواه في قومك، من يتفجر من جوانبه
الحق، ويخرج النور بين ثناياه ؟ )
وصاح آخر وهب مذعورا: أراك تعني محمدا.
وهز خباب رضي الله عنه رأسه المفعم بالغبطة، وقال:
( نعم انه هو رسول الله إلينا، ليخرجنا من الظلمات إلى النور )
ولا يدري خباب رضي الله عنه ماذا قال بعد هذه الكلمات، ولا ماذا
قيل له ، كل ما يذكره أنه أفاق من غيبوبته بعد ساعات طويلة
ليرى زواره قد انفضوا ، وجسمه وعظامه تعاني رضوضا وآلاما، ودمه النازف يضمخ ثوبه وجسده.
وحدقت عيناه الواسعتان فيما حوله ، وكان المكان أضيق من أن يتسع
لنظراتهما النافذة، فتحمل على آلامه، ونهض شطر الفضاء وأمام باب
داره وقف متوكئا على جدارها، وانطلقت عيناه الذكيتان في رحلة طويلة
تحدقان في الأفق، وتدوران ذات اليمين وذات الشمال ، انهما لا تقفان
عند الأبعاد المألوفة للناس.. انهما تبحثان عن البعد المفقود...
أجل تبحثان عن البعد المفقود في حياته، وفي حياة الناس الذين معه في مكة، والناس في كل مكان وزمان..
ترى هل يكون الحديث الذي سمعه من محمد عليه الصلاة والسلام اليوم،
هو النور الذي يهدي إلى ذلك البعد المفقود في حياة البشر كافة ؟
واستغرق خباب رضي الله عنه في تأملات سامية، وتفكير عميق..
ثم عاد إلى داخل داره.. عاد يضمد جراح جسده، ويهيئه لاستقبال تعذيب جديد، وآلام جديدة.
ومن ذلك اليوم أخذ خباب رضي الله عنه مكانه العالي بين المعذبين والمضطهدين..
أخذ مكانه العالي بين الذين وقفوا برغم فقرهم، وضعفهم يواجهون
كبرياء قريش وعنفها وجنونها..
أخذ مكانه العالي بين الذين غرسوا في قلوبهم سارية الراية التي أخذت
تخفق في الأفق الرحيب ناعية عصر الوثنية، والقيصرية..
مبشرة بأيام المستضعفين والكادحين، الذين سيقفون تحت ظل هذه الراية
سواسية مع أولئك الذين استغلوهم من قبل، وأذاقوهم الحرمان والعذاب..
وفي استبسال عظيم، حمل خباب رضي الله عنه تبعاته كرائد.. يقول الشعبي :
( لقد صبر خباب، ولم تلن له أيدي الكفار قناة، فجعلوا يلصقون ظهره العاري بالرضف حتى ذهب لحمه )
الاضطهاد و الصبر
كان حظ خباب رضي الله عنه من العذاب كبيرا، ولكن مقاومته وصبره كانا أكبر من العذاب..
لقد حول كفار قريش جميع الحديد الذي كان بمنزل خباب والذي كان يصنع
منه السيوف.. حولوه كله إلى قيود وسلاسل، كان يحمى عليها في النار
حتى تستعر وتتوهج، ثم يطوق بها جسده ويداه وقدماه..
ولكنه صبر واحتسب ، فها هو يحدث :
( شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببرد له في ظل
الكعبة ، فقلنا : يا رسول الله.. ألا تستنصر لنا )
أي تسأل الله لنا النصر والعافية...
فجلس صلى الله عليه وسلم، وقد احمر وجهه وقال :
" قد كان من قبلكم يؤخذ منهم الرجل، فيحفر له في الأرض، ثم يجاء بمنشار،
فيجعل فوق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليتمن الله هذا الأمر حتى
يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخشى الله الله عز وجل، والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون "
سمع خباب رضي الله عنه ورفاقه هذه الكلمات، فازداد ايمانهم واصرارهم
وقرروا أن يري كل منهم ربه ورسوله ما يحبان من تصميم وصبر، وتضحية.
خباب بن الأرت بن جندلة التميمي وكنيته أبو يحيى وقيل أبو عبد الله
صحابي من السابقين إلى الإسلام ، فأسلم سادس ستة ، وهو أول من
أظهر إسلامه ، وكان قد سُبي في الجاهليـة ، فبيع في مكة ثم حالف
بني زُهرة ، وأسلم وكان من المستضعفين .
إسلامه
خرج نفر من القرشيين، يغدون الخطى، ميممين شطر دار خباب ليتسلموا منه
سيوفهم التي تعاقدوا معه على صنعها..
وقد كان خباب رضي الله عنه سيافا، يصنع السيوف ويبيعها لأهل مكة، ويرسل بها إلى الأسواق..
وعلى غير عادة خباب رضي الله عنه الذي لا يكاد يفارق بيته وعمله، لم
يجده ذلك النفر من قريش فجلسوا ينتظرونه..
وبعد حين طويل جاء خباب رضي الله عنه على وجهه علامة استفهام مضيئة،
وفي عينيه دموع مغتبطة ، وحيا ضيوفه وجلس..
وسألوه عجلين : هل أتممت صنع السيوف يا خباب ؟
وجفت دموع خباب رضي الله عنه ، وحل مكانها في عينيه سرور متألق،
وقال وكأنه يناجي نفسه : ( إن أمره لعجب )
وعاد القوم يسألونه : أي أمر يا رجل ؟
نسألك عن سيوفنا، هل أتممت صنعها ؟
ويستوعبهم خباب رضي الله عنه بنظراته الشاردة الحالمة ..
ويقول : هل رأيتموه..؟ هل سمعتم كلامه..؟
وينظر بعضهم لبعض في دهشة وعجب ، ويعود أحدهم فيسأله
في خبث : هل رأيته أنت يا خباب ؟
ويسخر خباب رضي الله عنه من مكر صاحبه، فيرد عليه السؤال قائلا : من تعني ؟
ويجيب الرجل في غيظ : أعني الذي تعنيه ؟
ويجيب خباب رضي الله عنه بعد إذ أراهم أنه أبعد منالا من أن
يستدرج ، وأنه اعترف بإيمانه الآن أمامهم، فليس لأنهم خدعوه
عن نفسه، واستدرجوا لسانه، بل لأنه رأى الحق وعانقه، وقرر أن يصدع به ويجهر..
فأجابهم قائلا وهو هائم في نشوته وغبطة روحه :
( أجل رأيته، وسمعته ، رأيت الحق يتفجر من جوانبه، والنور يتلألأ بين ثناياه )
وبدأ عملاؤه القرشيون يفهمون، فصاح به أحدهم :
من هذا الذي تتحدث عنه يا عبد أم أنمار ؟
وأجاب خباب رضي الله عنه في هدوء القديسين :
( ومن سواه، يا أخا العرب من سواه في قومك، من يتفجر من جوانبه
الحق، ويخرج النور بين ثناياه ؟ )
وصاح آخر وهب مذعورا: أراك تعني محمدا.
وهز خباب رضي الله عنه رأسه المفعم بالغبطة، وقال:
( نعم انه هو رسول الله إلينا، ليخرجنا من الظلمات إلى النور )
ولا يدري خباب رضي الله عنه ماذا قال بعد هذه الكلمات، ولا ماذا
قيل له ، كل ما يذكره أنه أفاق من غيبوبته بعد ساعات طويلة
ليرى زواره قد انفضوا ، وجسمه وعظامه تعاني رضوضا وآلاما، ودمه النازف يضمخ ثوبه وجسده.
وحدقت عيناه الواسعتان فيما حوله ، وكان المكان أضيق من أن يتسع
لنظراتهما النافذة، فتحمل على آلامه، ونهض شطر الفضاء وأمام باب
داره وقف متوكئا على جدارها، وانطلقت عيناه الذكيتان في رحلة طويلة
تحدقان في الأفق، وتدوران ذات اليمين وذات الشمال ، انهما لا تقفان
عند الأبعاد المألوفة للناس.. انهما تبحثان عن البعد المفقود...
أجل تبحثان عن البعد المفقود في حياته، وفي حياة الناس الذين معه في مكة، والناس في كل مكان وزمان..
ترى هل يكون الحديث الذي سمعه من محمد عليه الصلاة والسلام اليوم،
هو النور الذي يهدي إلى ذلك البعد المفقود في حياة البشر كافة ؟
واستغرق خباب رضي الله عنه في تأملات سامية، وتفكير عميق..
ثم عاد إلى داخل داره.. عاد يضمد جراح جسده، ويهيئه لاستقبال تعذيب جديد، وآلام جديدة.
ومن ذلك اليوم أخذ خباب رضي الله عنه مكانه العالي بين المعذبين والمضطهدين..
أخذ مكانه العالي بين الذين وقفوا برغم فقرهم، وضعفهم يواجهون
كبرياء قريش وعنفها وجنونها..
أخذ مكانه العالي بين الذين غرسوا في قلوبهم سارية الراية التي أخذت
تخفق في الأفق الرحيب ناعية عصر الوثنية، والقيصرية..
مبشرة بأيام المستضعفين والكادحين، الذين سيقفون تحت ظل هذه الراية
سواسية مع أولئك الذين استغلوهم من قبل، وأذاقوهم الحرمان والعذاب..
وفي استبسال عظيم، حمل خباب رضي الله عنه تبعاته كرائد.. يقول الشعبي :
( لقد صبر خباب، ولم تلن له أيدي الكفار قناة، فجعلوا يلصقون ظهره العاري بالرضف حتى ذهب لحمه )
الاضطهاد و الصبر
كان حظ خباب رضي الله عنه من العذاب كبيرا، ولكن مقاومته وصبره كانا أكبر من العذاب..
لقد حول كفار قريش جميع الحديد الذي كان بمنزل خباب والذي كان يصنع
منه السيوف.. حولوه كله إلى قيود وسلاسل، كان يحمى عليها في النار
حتى تستعر وتتوهج، ثم يطوق بها جسده ويداه وقدماه..
ولكنه صبر واحتسب ، فها هو يحدث :
( شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببرد له في ظل
الكعبة ، فقلنا : يا رسول الله.. ألا تستنصر لنا )
أي تسأل الله لنا النصر والعافية...
فجلس صلى الله عليه وسلم، وقد احمر وجهه وقال :
" قد كان من قبلكم يؤخذ منهم الرجل، فيحفر له في الأرض، ثم يجاء بمنشار،
فيجعل فوق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليتمن الله هذا الأمر حتى
يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخشى الله الله عز وجل، والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون "
سمع خباب رضي الله عنه ورفاقه هذه الكلمات، فازداد ايمانهم واصرارهم
وقرروا أن يري كل منهم ربه ورسوله ما يحبان من تصميم وصبر، وتضحية.